دراسات عن اسرائيل/
أحداث / ندوة: "من غزّة إلى إيران – حروب إسرائيل وإعادة تشكيل المنطقة" (حزيران 2025)نظّم مركز مدى الكرمل، يوم الأحد المنصرم (29/06/2025)، ندوة سياسيّة فكريّة حملت العنوان "من غزّة إلى إيران – حروب إسرائيل وإعادة تشكيل المنطقة". ناقشت الندوة أبعاد حرب إسرائيل على إيران، الحرب التي شكّلت تصعيدًا غير مسبوق في المواجهات الإقليميّة، ومثّلت لحظةَ تحوُّل من حرب ظلّ إلى حرب مباشرة. أدارت الندوةَ الصِّحافيّةُ ومقدِّمة البرامج مريم فرح.
افتتَح اللقاءَ د. مروان قبلان، مدير الدراسات السياسيّة في المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات، مؤكّدًا أنّ المواجَهة الأخيرة بين إيران وإسرائيل مثّلت أوّلَ حرب مباشِرة بين الطرفَيْن، بعد عقود من المواجَهات غير المباشرة، مشيرًا إلى فشل الإستراتيجيّة الدفاعيّة الإيرانيّة، التي قامت على استخدام حلفاء إقليميّين للردع، وعلى رأسهم حزب الله -الذي جرى تحييده إلى حدّ كبير-. واعتبَرَ أنّ هذا الفشل كشف ضعف الدفاعات الإيرانيّة الجوّيّة والصاروخيّة، وهو ما سمح لإسرائيل بالسيطرة شبه الكاملة على الأجواء الإيرانيّة. كذلك أشار قبلان إلى أنّ هذا الضعف سيؤثّر على تحالفات إيران الإقليميّة، وعلى علاقاتها مع قوى دوليّة لم تدعم إيران على نحوٍ فاعل خلال المواجهة -كروسيا والصين على سبيل المثال.
د. فاطمة صمّادي، الباحثة الأولى في مركز الجزيرة للدراسات، اعتبرت من جهتها أنّ إيران ارتكبت خطأً إستراتيجيًّا في سوء فهم موقف إدارة ترامـﭗ؛ إذ ظنّت أنّ المفاوضات ستحميها من تلقّي ضربة إسرائيليّة. كذلك رأت أنّ سياسة "الصبر الإستراتيجيّ" التي اعتمدتها إيران لعقود أدّت إلى تآكل قوّة الردع، وشجّعت إسرائيل على استهداف قادة سياسيّين وعسكريّين داخل إيران. وأكّدت صمّادي أنّ إيران رغم الخسائر الكبيرة أثبتت قدرتها على الردّ، وشهدت حالة نادرة من التكاتف الداخليّ. بَيْدَ أنّ هذه اللحظة -بحسب رأيها- تضع القيادة الإيرانيّة إزاء تحدّي استثمار هذا التكاتف عبْر مقارَبة سياسيّة واجتماعيّة جديدة. ورجّحت أن يحصل تحوُّل في الموقف الإيرانيّ بشأن السلاح النوويّ مدعومٍ بتأييد شعبيّ غير مسبوق.
وقدّم د. إبراهيم خطيب، الأستاذ الجامعيّ في معهد الدوحة للدراسات العليا، قراءة تقييميّة لمجريات الحرب، معتبرًا أنّها لم تُحسَم لصالح أيّ طرف، إلّا أنّها كشفت نقاط ضعف خطيرة لدى الطرفَيْن. فبينما بدت الدفاعات الإيرانيّة هشّة، أظهرت الحرب أيضًا قصورًا في قدرة إسرائيل على صدّ الصواريخ الباليستيّة الإيرانيّة. واعتبر خطيب أنّ هذه الحرب كانت أقرب إلى تمرين تكتيكيّ لجولات قادمة، وأنّ عدم التوصُّل إلى اتّفاق واضح بعد أن انتهت يمنح كلّ طرف حرّيّة المناورة، سواء أكان ذاك في التفاوض أَمْ في التصعيد. وأشار إلى أنّ إيران ستكون مضطرّة إلى إعادة ترتيب أولويّاتها الدفاعيّة، وإلى تطوير قدراتها الجوّيّة، في ظلّ إدراكها أنّ الاتّفاقات لا تحمي من الضربات العسكريّة.
اختتم الندوةَ د. مطانس شحادة، مدير برنامج دراسات إسرائيل في مدى الكرمل، بمداخلة تناولت أثر الحرب على المشهد السياسيّ الإسرائيليّ، ولا سيّما أثرها على مكانة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. رأى شحادة أنّ نتنياهو استغلّ الحرب لتحسين موقعه السياسيّ، بعد أن كان يواجه أزمة داخليّة خانقة تهدّد التحالف الحاكم. وقد ساعدته الحرب، بدعم من ترامـﭗ، على تأجيل احتمال تفكُّك الائتلاف الحكوميّ والتمهيد لإجراء انتخابات مبْكِرة. وأشار شحادة إلى أنّ الحرب أسهمت في إعادة إنتاج صورة "رجل الأمن" في ما يخصّ شخصيّة نتنياهو، وقلّلت من حدّة الاحتجاجات الداخليّة، ولا سيّما تلك المتعلّقة بالأسرى في غزّة، غير أنّ شحادة شدّد على أنّ هذا الإنجاز السياسيّ يبقى هشًّا، وأنّ الأمر يعتمد على التطوُّرات القادمة في غزّة ولبنان وإيران.
اُختُتِمت الندوة بنقاش غنيّ مع الحضور الذين طرحوا أسئلة بشأن مستقبلِ ما يسمّى "محور المقاوَمة"، ومدى قدرة إيران على ترميم دفاعاتها ومكانتها، ودَوْر دول الخليج، ومستقبل المفاوضات حول المشروع النوويّ الإيرانيّ.